السبت، 25 مايو 2013

أنا ميت فهاتوا ما عندكم

أنا ميت فهاتوا ما عندكم

أراد معلم/ مدرس سعودي معرفة «حقيقة مكانته» - على حد تعبيره - في نفوس الأصدقاء فاستخدام هاتفا جوالا وبعث بعشرات الرسائل التي تفيد بأنه «مات»: ببالغ الحزن والأسى أنعي وفاة فلان الفلاني تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح الجنان، وانهالت رسائل التعازي على الرقم الذي انطلقت منه رسالة النعي تترحم على الفقيد، وكيف ان موته فقد جلل لأنه كان حلو المعشر وطيبا وكريما وودودا ومهذبا وابن ناس «ولن أنسى وقفته معي في محنتي الكذا والكذا مما يؤكد طيب معدنه».. وستظل ذكراه محفورة في القلب والوجدان (ما معنى الوجدان وأين موقعه في الجسم؟)، وجاء في بعض الرسائل: نرجو تأخير عملية دفن الفقيد العزيز لبضع ساعات حتى نتمكن من الوصول إلى الرياض للصلاة على جثمانه وحضور مراسم الدفن، وتلقى شقيق المدرس الحي/ الميت أطنانا من رسائل التعزية فانهار ولكنه اتصل بـ«المرحوم» فرد على اتصاله وأكد له أن رسالة الوفاة غير صحيحة وكان الهدف منها معرفة مكانه في قلوب الآخرين خاصة وأنه كان يحسب نفسه شخصا غير محبوب، وبعد أن أحس صاحبنا ان الحكاية «كبرت ووسعت» بعث برسائل نصية تؤكد أنه «حية تسعى»: وأشكركم على مشاعركم الطيبة نحوي واعتذر لما سببته لكم من حزن وأسى وأكرر بأنني ما زلت حيا!! هنا انقلبت الآية وقام نفس الأشخاص الذين ذكروا محاسنه بلعن خاشه وخاش اللي خلفوه وأشبعوه شتما ولعنا، بل أبلغه معظمهم أنهم لا يريدون أي علاقة معه مستقبلا «وحتى لما تموت بالجد لن نترحم عليك، لأنك أخذت نصيبك من الترحم مقدما عن غير استحقاق».
قبل سنوات توفي أحد أعز أصدقائي وشاءت الصدف أن هناك تقاربا شديدا بين اسمينا، وسرعان ما امتلأت منتديات الانترنت السودانية بمآثري ومحاسني وكيف أنني كنت من رجال البر والإحسان، بل كتب أحدهم يقول إنني استحق ككاتب لقب جعفر عباس العقاد، ولم يضايقني ذلك لأنني كنت في غاية الحزن لرحيل صديقي العزيز واكتفيت بنشر تنبيه في تلك المنتديات بأن المتوفى هو فلان الفلاني وليس شخصي، ولكن ما جعلني ابتسم رغم ما كنت فيه من حزن هو أن نحو خمسة أشخاص بعثوا برسائل نعي يعبرون فيها عن حزنهم العميق لوفاتي على بريدي الالكتروني، وأرسلت لكل واحد من هؤلاء ردا مؤداه: شكر الله سعيك، بس كيف تتوقع مني ان أقرأ رسالتك وأنا ميت؟ وعندما قتل معمر القذافي وانتصرت الثورة الليبية قلت فيه ما لم يقله مالك في الخمر، فقال لي جليسي: أذكروا محاسن موتاكم، فقلت له: أولا، هذا الرجل ليس من «موتاي»، ثانيا: أذكر لي أنت حسنة واحدة له وأنا سأتبعك.. أريد رأي شخص عالم بأمور الدين في موقفي ومقولتي هذه.

جعفر عباس

0 التعليقات:

إرسال تعليق